أسباب المعركة:
لم تقصد إسرائيل من معركتها هذه احتلال جزء من شرق الأردن والبقاء فيه ، لكنها كانت خطة للدفاع من ناحية بتدمير منشآت ومعسكرات منظمة التحرير التي كانت بمثابة خطر داهم على الاحتلال ، ثم قصد من هذا الاحتلال إيجاد سبب مقنع للأردنيين للدخول في معاهدة سلام مع إسرائيل بوجود سبب مباشر وهو احتلال جزء من الأراضي الأردنية تهيئة لسلسلة معاهدات السلام اللاحقة ، وقد كان هذا بالتنسيق مع قيادات عليا كانت أوامرها السبب بخروج الجيش الأردني من الضفة دون إطلاق رصاصة واحدة في حرب عام 67 الصورية والتي أتت على بقية القدس وفلسطين كما الجولان وسيناء.
العسكري الذي لم يتدخل في السياسة ولم يستوعب كنه ما يراد ، دخل المعركة وكانت بالنسبة له معركة مبدأ وشرف وكرامة ، خصوصاً أنه وعى تماماً ما حصل في هزيمة 67 ، وتجرعها ألماً وخزياً ، فكان عليه أن يثبت ولاءه لوطنه ولأمته ، لذا ودون تردد اخلص النية وصدق العهد ، ثم تهيأ للمفاجأة بنفس مليئة بالأمل برد الاعتبار وصنع نصر مرحلي ، لذا رفض الأوامر العليا ، وبقي بجانب أخيه الفلسطيني يقاتل حتى رد الغازي واندحر ، وهذا ما أفقد الجهات العليا صوابها فكان مصير كثير من ضباط النصر مكافأة الخائنين ، فأقيلوا من مناصبهم على أقل اعتبار مع سجن مؤقت ، وكيف لا يكون هذا نصيبهم وقد أفسدوا أسباب الحرب وأطالوا عمر فترة عدم الاستقرار على أطول جبهة مع الخصم اللدود.
لقد صنع النصر ميدانياً وبقرار المخلصين من كلا الطرفين ، حيث رفضت الأوامر وبقي الجندي والفدائي في الخندق ولم يلبسوا أثواب النساء مولين الأدبار ، فكانت النتيجة عقوبة بحجم تلك الجريمة ، بحجم جريمة النصر ، لأن النصر في زمن الخيانة جريمة لا تغتفر، والنصر في عرف الساسة طموحاتهم الفردية حتى وإن هلكت الأمة بأسرها.
معركة الكرامة تسببت بفتنة رفيقي النصر:
حالة الهستيريا التي أصابت القيادات العليا في المنطقة لم تنته بفصل الضباط وسجنهم ، بل كان لا بد من التفريق بين رفاق النصر ، ليس التفريق فقط ، لأن التفريق وحده لن يؤدي إلى الهدف المنشود ، فكانت الفتنة التي جعلت الرفاق يصوبون بنادقهم ، كل نحو الآخر ، كل يصوب نحو رفيق النصر وقبل أن تنتهي نشوة الفرح ، لنستبدلها بغصة طالت مع الزمن وامتدت خارج حدود إحساسنا ، أجل لقد اصطنعت الفتنة ونال أصحاب اللعبة مرادهم حينما انساب الدم الأردني والفلسطيني في شوارع عمان والزرقاء ودبين وجرش ، وحينما استورد الجيش الباكستاني بقيادة ضياء الحق "العسكري" آنذاك لحرق الفدائيين في معسكراتهم ومغرهم التي توطدت تحت الجبال والصخور.
لا شك هي مرارة لا أزال أذكرها ، فقد كنت حينها ابن الخامسة أو السادسة ... فجارنا الذي كان يسامرنا قد انقطع عن السمر ، وكان أول يوم لي ولزملائي في مدرستنا "الوليد بن عبد الملك" تحت الرصاص حيث اضطررنا لنحمل دفاترنا التي لم تكتب فيها أي كلمة بعد ونهرب للهضاب المحيطة بمدرستنا، كل هذه الغصات لم تكن لتمر دون أن تترك أثراً في النفس وكرهاً للأنظمة الحاقدة التي فرقتنا ونحن إخوة ، كلها ذكريات مرة نذكرها ، كتبناها في دفاترنا التي البيضاء لنتعلم الدرس ونعلم أن المراد بنا ولنا ليس في مصلحتنا ولن يكون .
أمن غيرنا على حساب دمنا
هي ذاتها القيادات العليا التي كانت وصية على أمن المحتل ، بغض النظر عما يكون من أمرنا ، أخرجت المنظمة ، وتحول الجيش إلى حرس للحدود ، ثم باء الشعب بالإثم ، ودفع الثمن ، فالخسارة لم تكن مالاً ، بل رجالاً كانوا في يوم من الأيام عدة الوطن ، كانت الخسارة شعبين وحدتهما الدماء التي جرت في خندق الكرامة ، كما وحدتهما الأعراق المنسابة عبر تاريخ طويل ، كل ذلك ليهنأ غيرنا ... لا بل محتل أرضنا ، وكل ذلك لنبارك وعد بلفور وما جرى بعد ذاك الوعد ، جرى كل ما جرى في غياب الوعي والفهم لحقيقة الأمور وما يدار في العتمة.