عن طريقي و إلا ……
قال هولمز : أراك إنسان شديد التهذيب قوي العضلات ….
و أمسك بالمحرك و رده مستقيما كما كان بحركة واحدة ، فرماه الرجل بنظرة شريرة و غادر الغرفة مسرعا .
و حين بقينا وحدنا قال هولمز : لا أريد لهذه الفتاة أن تلقى المتاعب بسببي ، أحتاج إلى بعض المعلومات ، و سوف أحصل عليها ثم أعود .
و رجع هولمز بعد ساعة و قال : لقد اطلعت على وصية أم هيلين ، إن أموالها لم تعد طائلة بعد انهيار العائدات الزراعية ، و إذا تزوجت الفتاتان فسوف يواجه زوج أمهما الإفلاس .
و قد تخلص من الأولى ، و أخشى على الثانية من شره ، لنسرع إلى ستون موران و لا تنس أن تحمل مسدسك معك يا واطسون ، لأن من يلوي محراك المدفأة يحتاج إلى شيء مختلف عن البراهين المنطقية
و ركبنا القطار أنا و هولمز ، ثم استأجرنا عربة من المحطة التي تبعد حوالي 8 كيلومترات عن ستون موران ، فمشت بنا عبر الحقول المزهرة و كان النهار جميلا يتناقض مع البناء المتداعي الذي رأيناه قائما فوق تلة مرتفعة . و سأل هولمز السائق عن ستون موران فقال : إن المزرعة أما منا ، و الأفضل أن تسيروا عبر الحقول لتصل إليها .
فنزلنا من العربة و دفعنا للسائق أجرته فعاد أدراجه .
صعدنا التلة إلى المزرعة ، فقال هولمز و قد رأى هيلين : صباح الخير يا آنسة هيلين …لقد وفينا بوعدنا .
فأسرعت الفتاة إلى لقائنا و قد ظهرت بشائر الفرحة على وجهها ، و صاحت : كنت أنتظركما بفارغ الصبر ، و لقد غادر زوج أمي المزرعة ، و لن يعود إلا المساء ..
فقال هولمز بلهجة مخادعة : لقد تشرفنا بمعرفته .
و حكى لها بكلمات ما حدث هذا الصباح ، فاصفر وجهها و قالت : إنه ماكر و لم أنتبه إلى إنه يراقبني .. ماذا سيقول لي بعد عودته ؟؟
هولمز : سيكون حذرا ، أغلقي هذا المساء غرفتك بعناية ، و إذا خفت أن يضربك أخذناك إلى عمتك ، و لكن علينا ألا نضيع الوقت الآن ، أين الغرف ؟؟
كان البناء متداعيا و قد نصبت الصقالات لترميمه ، و لكننا لم نجد للعمال أثرا . و مشى هولمز عبر أطلال الحديقة و تأمل المنزل من الخارج و قال : أظن أن هذه نافذة الغرفة التي تنامين فيها ، و في الوسط غرفة أختك ، وهذه الأخيرة غرفة زوج أمك ؟؟
هيلين : تماما … و لكني قلت لك إني أشغل الآن الغرفة الوسطى .
هولمز : بسبب الترميم ، و لكن هل هذا الترميم ضروري فعلا .
هيلين : لا ، و أظن زوج أمي اخترعه لكي يضطرني إلى تبديل غرفتي .
هولمز : كلام صائب …و أظن أن الدهليز يمر أمام الغرف و لها نوافذ تطل عليه .
هيلين : نعم .. ولكنها صغيرة ضيقة لا يستطيع أحد الدخول منها .
هولمز : حسنا ، ادخلي الآن غرفتك ، وأرجو أن تغلقي أبواب النوافذ الخشبية .
فدخلت هيلين و أغلقتها ، وحاول هولمز أن يفتحها من الخارج فلم يقدر ، ولم يجد شقا يدخل منه سكينا يدفع به قضيب الحديد الذي يعترضها من الداخل .
فقال هولمز وهو يحك ذقنه : حسنا …. لا يمكن فتحها من الخارج … إن فرضيتي أصيبت بضربة عنيفة ، لندخل الآن .
لم يهتم هولمز بغرفة هيلين بل انصرف إلى الغرفة التي كانت تشغلها المرحومة جولي ، وهي واطئة السقف فيها مدفأة واسعة وسرير و طاولة صغيرة بجانب النافذة اليسرى و فوق سجادة دائرية الشكل كرسيان من الخشب .
فجلس هولمز على أحد الكرسيين ، وجعل يتأمل الغرفة كأنه يريد أن يحفر تفاصيلها في ذاكرته
و أشار بعد قليل إلى حبل مجدول يتدلى فوق السرير و قال : أين نهاية هذا الحبل ؟؟
هيلين : في غرفة الخادمة لاستدعائها .
هولمز : و هل هو هنا منذ زمن طويل ؟؟
هيلين : منذ ثلاث أو أربع سنوات .
هولمز : و هل طلبت أختك أن يوضع في غرفتها ؟
هيلين : لا …… ونحن لا نستخدمه أبدا …. فقد تعودنا أن ندبر أمورنا بنفسنا ، و لا نحتاج إلى الخدم .
فأمسك هولمز بالحبل و جذبه بقوة فلم نسمع صوت الجرس و لم يتحرك الحبل من مكانه ، فقال : آه .. إنه جرس زائف …. و الحبل مربوط بحلقة فوق فتحة التهوية .
فقالت هيلين : لم ألاحظ هذا من قبل …. أمر عجيب .
فقال هولمز : طبعا … و إني لأتساءل كيف يفكر المهندس المعماري ببناء فتحة تهوية تؤدي إلى الغرفة المجاورة و لا تؤدي إلى الخارج .
هيلين : هذه الفتحة أحدثت مؤخرا .
هولمز : لعلها أحدثت مع حبل الجرس أيضا .
هيلين : نعم … في الوقت نفسه .
فقال هولمز : جرس لا يقرع … و فتحة تهوية لا فائدة منها ، سأرى الغرفة المجاورة إذا سمحت .
كانت غرفة الدكتور أوسع قليلا ، و لكن فيها الأثاث البسيط نفسه ، سرير متنقل ، و مكتبة صغيرة من الخشب الأبيض مملوءة بالكتب الطبية ، و كنبة و كرسي خشبي و طاولة مدورة و حقيبة معدنية كبيرة .
و تفحص هولمز الأثاث بعناية ، و قال و هو يلمس الحقيبة المعدنية بقدمه : ماذا يوجد بداخلها ؟
هيلين : فيها أوراق زوج أمي ، و قد رأيتها مفتوحة منذ سنوات ، و أذكر أن فيها أوراقا و مصنفات .
هولمز : و لا أظن أن فيها مكانا للقطط .
هيلين : قطط ؟ أي قطط ؟ ليس لدينا قط .
هولمز : حقا ؟ و ما هذا ؟ و أشار إلى صحفة على الأرض مملوءة بالحليب .
فقالت هيلين : فعلا .. و لكن ليس لدينا قط … لدينا نمر و غوريلا
فقال هولمز : على كل حال النمر قط كبير ، و لكن لا تشبعه صحفة حليب .
تفحص هولمز الأرضية بمكبرته ، ثم التقط شيئا و قال : ما رأيك بهذا يا واطسون ؟
واطسون : إنه رسم كلب … و في طرفه أنشوطة ، و ما فائدته ؟
فقال هولمز : سنعرف فيما بعد …. و الآن يا آنسة هيلين … إن حياتك في خطر ، و لا أريد أن يفاجئنا الرجل هنا ، و قد عزمنا أن نقضي اللية في غرفتك … فإذا أقبل المساء تذرعي بصداع لكي تدخلي هذه الغرفة التي تنامين فيها ، و حين يظلم الليل افتحي النافذة و أضيئي المصباح و اخفضيه 3 مرات ، لأننا سننزل في فندق القرية القريب ، ثم غادري هذه الغرفة إلى غرفتك السابقة ، و لا تنسي أن تتركي النافذة مفتوحة لأننا سننام لأننا سننام في غرفة أختك …