المبحث الثالث
الأحوال الدينية والسياسية والاقتصادية
والاجتماعية والأخلاقية عند العرب
أولاً: الحالة الدينية:
ابتليت الأمة العربية بتخلف ديني شديد، ووثنية سخيفة لا مثيل لها، وانحرافات خلقية، واجتماعية, وفوضى سياسية، وتشريعية, ومن ثم قل شأنهم وصاروا يعيشون على هامش التاريخ، ولا يتعدون في أحسن الأحوال أن يكونوا تابعين للدولة الفارسية أو الرومانية، وقد امتلأت قلوبهم بتعظيم تراث الآباء والأجداد واتباع ما كانوا عليه مهما يكن فيه من الزيغ والانحراف والضلال ومن ثم عبدوا الأصنام، فكان لكل قبيلة صنم، فكان لهذيل بن مدركة: سواع، ولكلب: ود، ولمذحج: يغوث, ولخيوان: يعوق، ولحمير: نسر، وكانت خزاعة وقريش تعبد إسافًا ونائلة، وكانت مناة على ساحل البحر، تعظمها العرب كافة والأوس والخزرج خاصة، وكانت اللات في ثقيف، وكانت العزى فوق ذات عرق، وكانت أعظم الأصنام عند قريش( ).
وإلى جانب هذه الأصنام الرئيسية يوجد عدد لا يحصى كثرة من الأصنام الصغيرة والتي يسهل نقلها في أسفارهم ووضعها في بيوتهم.
روى البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العُطاردي قال: «كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا آخر هو أخيرُ منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جُثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به»( ).
وقد حالت هذه الوثنية السخيفة بين العرب, وبين ومعرفة الله وتعظيمه وتوقيره والإيمان به، وباليوم الآخر وإن زعموا أنها لا تعدو أن تكون وسائط بينهم وبين الله، وقد هيمنت هذه الآلهة المزعومة على قلوبهم وأعمالهم وتصرفاتهم، وجميع جوانب حياتهم وضعف توقير الله في نفوسهم قال تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [الأنعام: 36].
أما البقية الباقية من دين إبراهيم عليه السلام فقد أصابها التحريف، والتغيير والتبديل، فصار الحج موسما للمفاخرة والمنافرة، والمباهاة وانحرفت بقايا المعتقدات الحنيفية عن حقيقتها وألصق بها من الخرافات والأساطير الشيء الكثير.
وكان يوجد بعض الأفراد من الحنفاء الذين يرفضون عبادة الأصنام, وما يتعلق بها من الأحكام والنحائر وغيرها، ومن هؤلاء زيد بن عمرو بن نفيل، وكان لا يذبح للأنصاب، ولا يأكل الميتة والدم، وكان يقول:
أربًّا واحدًا أم ألفَ رب؟؟
أدين إذا تقسِّمت الأمورُ؟
عزلتُ اللات والعزى جميعًا
كذلك يفعل الجلد الصبورُ
فلا العزى أدين ولا ابنتيها
ولا صنمي بني عمرو أزورُ
ولا غنمـًا أدين وكان ربا
لنا في الدهر، إذا حلمي يسيرُ
إلى أن قال:
ولكن أعبد الرحمن ربي
ليغفر ذنبي الربُّ الغفور( )
وممن كان يدين بشريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، قُس بن ساعدة الإيادي, فقد كان خطيبًا، حكيمًا، عاقلاً، له نباهة، وفضل، وكان يدعو إلى توحيد الله، وعبادته، وترك عبادة الأوثان، كما كان يؤمن بالبعث بعد الموت، وقد بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس قال: «إن قس بن ساعدة كان يخطب قومه في سوق (عكاظ) فقال في خطبته: سيعلم حق من هذا الوجه وأشار بيده إلى مكة، قالوا: وما هذا الحق؟ قال: رجل من ولد لؤي بن غالب يدعوكم إلى كلمة الإخلاص، وعيش الأبد، ونعيم لا ينفد، فإن دعاكم فأجيبوه، ولو علمت أني أعيش إلى مبعثه لكنت أول من يسعى إليه» وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ومات قبل البعثة( ).
ومما كان ينشده من شعره:
في الذاهبين الأوليـ
ن من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا
للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها
يمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إليّ
ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محا
لة حيث صار القوم صائر( )
كان بعض العرب قد تنصر، وبعضهم دخل في اليهودية، أما الأغلبية فكانت تعبد الأوثان والأصنام.