الحمدُ لله ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله ِ ، وعلى آله وصحبهِ وبعدُ :
فهذا الكتاب ( لا تحزن ) ، عسى أن تسعد بقراءتهِ والاستفادةِ منه ، ولك قبل أن تقرأ هذا الكتابٍ أن تحاكمه إلى المنطقِ السليمِ والعقلِ الصحيحِ ، وفوق هذا وذاك النقْل المعصوم .
إنَّ من الحيْفِ الحكمَ المُسبق على الشيءِ قبلَ تصوُّرهِ وذوقهِ وشمِّهِ ، وإن من ظلمِ المعرفةِ إصدار فتوى مسبقةٍ قبلَ الإطلاعِ والتأمُّلِ ، وسماعِ الدعوى ورؤيةِ الحجةِ ، وقراءةِ البرهان .
كتبتُ هذا الحديث لمن عاش ضائقةً أو ألمَّ بهِ همٌّ أو حزنٌ ، أو طاف به طائفٌ من مصيبةٍ ، أو أقضَّ مضجعة أرقٌ ، وشرَّدَ نومَه قلقٌ . وأيُّنا يخلو من ذلك ؟!
هنا آياتٌ وأبياتٌ ، وصورٌ وعِبرٌ ، وفوائدُ وشواردُ ، وأمثالٌ وقصصٌ ، سكبتُ فيها عصارة ما وصل إليه اللامعون ؛ من دواءٍ للقلبِ المفجوعِ ، والروحِ المنهكةِ ، والنفسِ الحزينةِ البائسةِ .
هذا الكتابُ يقولُ لك : أبشِر واسعدْ ، وتفاءَلْ واهدأ . بل يقولُ : عِشِ الحياة كما هي ، طيبةً رضيَّة بهيجةً .
هذا الكتابٌ يصحّحُ لك أخطاء مخالفةِ الفطرة ، في التعاملِ مع السننِ والناسِ ، والأشياءِ ، والزمانِ والمكانِ .
إنه ينهاك نهياً جازماً عن الإصرارِ على مصادمةِ الحياةِ ومعاكسةِ القضاءِ ، ومخاصمةِ المنهجِ ورفضِ الدليل ، بل يُناديك من مكانٍ قريبٍ من أقطارِ نفسِك ، ومن أطرافِ رُوحِك أن تطمئنَّ لحُسْنِ مصيرِك ، وتثق بمعطياتِك وتستثمر مواهبك ، وتنسى منغّصاتِ العيشِ ، وغصص العمرِ وأتعاب المسيرةِ .
وأريدُ التنبيه على مسائل هامّة في أوله :
الأولى : أنَّ المقصد من الكتاب جلْبُ السعادةِ والهدوءِ والسكينة وانشراح ِ الصدرِ ، وفتحُ بابِ الأملِ والتفاؤلِ والفرج والمستقبلِ الزاهرِ .
وهو تذكيرٌ برحمة اللهِ وغفرانِهِ ، والتوكُّلِ عليه ، وحسنِ الظنِّ بهِ ، والإيمانِ بالقضاءِ والقدرِ ، والعيشِ في حدودِ اليومِ ، وتركِ القلقِ على المستقبل ِ ، وتذكُّرِ نِعَمِ الله ِ .
الثَّانية : وهو محاولةٌ لطردِ الهمِّ والغمِّ ، والحزن والأسى ، والقلقِ والاضْطرابِ ، وضيقِ الصدرِ والانهيارِ واليأسِ ، والقنوطِ والإحباطِ .
الثالثة : جمعتُ فيه ما يدورُ في فلكِ الموضوعِ منْ التنزيلِ ، ومن كلام المعصومِ ، ومن الأمثلةِ الشاردة ِ ، والقصصِ المعبرةِ ، والأبياتِ المؤثّرةِ ، وما قالهُ الحكماءُ والأطباءُ والأدباءُ ، وفيه قبسٌ من التجاربِ الماثِلة والبراهينِ الساطعة ، والكلمةِ الجادَّةِ وليس وعظاً مجرداً ، ولا ترفاً فكريّاً ، ولا طرحاً سياسياً ؛ بل هو دعوةٌ مُلِحَّةٌ من أجلِ سعادتِك .
الرابعة : هذا الكتابُ للمسلم وغيره ، فراعيتُ فيه المشاعر ومنافذ النفسِ الإنسانيةِ ؛ آخذاً في الاعتبار المنهج الربانيَّ الصحيح ، وهو دينُ الفطرِة .
الخامسةِ : سوف تجدُ في الكتاب نُقولاتٍ عن شرقيين وغربيّين ، ولعلّه لا تثريب علىَّ في ذلك ؛ فالحكمة ضالةُ المؤمنِ ، أنَّى وجدها فهو أحقُّ بها .
السادسة : لم أجعلْ للكتاب حواشي ، تخفيفاً للقارئ وتسهيلاً له ، لتكون قراءاته مستمرّةً وفكرُه متصلاً . وجعلتُ المرجع مع النقلِ في أصلِ الكتاب ِ .
السابعةِ : لم أنقلْ رقم الصفحةِ ولا الجزءِ ، مقتدياً بمنْ سبق في ذلك ؛ ورأيتُه أنفع وأسهل ، فحيناً أنقلُ بتصرُّفٍ ، وحيناً بالنصِّ ، أو بما فهمتُه من الكتابِ أو المقالةِ .
الثامنةِ: لم أرتبْ هذا الكتاب على الأبوابِ ولا على الفصولِ ، وإنما نوعتُ فيه الطَّرح ، فربَّما أداخلُ بين الفِقراتِ ، وأنتقلُ منْ حديثٍ إلى آخر وأعودُ للحديثِ بعد صفحاتٍ ، ليكون أمتع للقارئ وألذّ لهُ وأطرف لنظرهِ .
التاسعةِ : لم أُطِلْ بأرقامِ الآياتِ أو تخريجِ الأحاديث ؛ فإنْ كان الحديثُ فيه ضعفٌ بيّنتُهُ ، وإن كان صحيحاً أو حسناً ذكرتُ ذلك أو سكتُّ . وهذا كلُّه طلباً للاختصار ، وبُعداً عن التكرارِ والإكثارِ والإملالِ ، (( والمتشبِّعُ بما لم يُعط كلابسِ ثوبيْ زُورٍ )) .
العاشرة : ربما يلْحظُ القارئُ تكراراً لبعض المعاني في قوالب شتّى ، وأساليب متنوعةٍ ، وأنا قصدتُ ذلك وتعمدتُ هذا الصنيع لتثبت الفكرةُ بأكثر من طرحٍ ، وترسخ المعلومةُ بغزارةِ النقلِ ، ومن يتدبّرِ القرآن يجدْ ذلك .
تلك عشرةٌ كاملةٌ ، أقدِّمها لمن أراد أن يقرأ هذا الكتاب ، وعسى أن يحملَّ هذا الكتاب صدْقاً في الخبرِ ، وعدلاً في الحكم ِ ، وإنصافاً في القولِ ، ويقيناً في المعرفةِ ، وسداداً في الرأيِ ، ونوراً في البصيرة .
إنني أخاطبُ فيه الجميع ، وأتكلم ، فيه للكلّ ، ولم أقصِدْ به طائفةً خاصّةً ، أو جيلاً بعينهِ ، أو فئةً متحيّزةً ، أو بلداً بذاتهِ ، بل هو لكلِّ من أراد أنْ يحيا حياة سعيدةً .
ورصعتُ فيهِ الدُّرَّ حتى تركتُهُ
يُضيءُ بلا شمسٍ ويسرْي بلا قمرْ
فعيناهُ سحرٌ والجبينُ مهنَّدٌ
ولله درُّ الرَّمشِ والجيدِ والحورْ
*****************************************
يــا الله