يحتل التقويم مكانة كبيرة في المنظومة التعليمية بكافة أبعادها وجوانبها نظراً لأهميته في تحديد مقدار ما يتحقق من الأهداف التعليمية المنشودة والتي يتوقع منها أن تنعكس إيجابياً على الطالب والعملية التربوية سواء بسواء .
وفى إطار ما نسعى إليه وننشده من إصلاح التعليم من خلال تحسين مدخلاته وتجويد مخرجاته ، فالأمر يتطلب ضرورة إعادة النظر في أساليب تقويم الطلاب كمدخل أساسى وضرورى لأجل تحقيق الإصلاح التربوى والتعليمي .
مفهوم التقويم : Evaluation
هناك مصطلحان في اللغة أحدهما التقييم Valuation والآخر التقويم Evaluation وبهذا يمكن أن نحدد معنى الكلمة الاولى : التقييم على أنها تحديد القيمة والقدر ، أما الكلمة الثانية ففيها هذا المعنى بالإضافة إلى معانى التعديل والتحسين والتطوير .
وفى إطار هذا المفهوم تصبح وظيفة المدرسة ليست قاصرة على الحكم على المتعلم بالنجاح أو الفشل من خلال نظام الامتحانات التقليدى بل أن مهمة المعلم ودوره تشبه أقرب إلى مهمة الطبيب لا تقتصر على مجرد قراءة ميزان الحرارة أو مقياس ضغط الدم وإنما يتجاوز ذلك التشخيص إلى العلاج .
لذا يمكن القول بأن التقييم هو مجرد إصدار أحكام أما التقويم فيتضمن إصدار الأحكام مقترنة بخطط تعديل المسار وتصويب الاتجاه في ضوء ما تسفر عنه البيانات من معلومات . ولقد عانينا تربوياً من الاقتصار على التقييم كما يتمثل في الامتحانات النهائية التقليدية والاًصح أن نسعى إلى تحويل الوجهة إلى تقويم التربوى بمعناه الشامل وأن نهتم بالتدخل للعلاج والتطوير والتحسين .
ويمكننا تعريف التقويم بأنه عملية تخطيط للحصول على معلومات أو بيانات أو حقائق عن موضوع معين ( المتعلم مثلاً ) بطريقة علمية لإصدار حكم عليه بغرض التوصل إلى تقديرات كمية و أدلة كيفية تسهم في اتخاذ أو اختيار القرار الأفضل لأجل التطوير والتحسين .
مفهوم القياس Measurement :
يشير القياس إلى القيمة الرقمية ( الكمية ) التي يحصل عليها الطالب في الامتحان ( الاختبار) وعليه يصبح القياس عملية تعنى بالوصف الكمى للسلوك أو الاداء والتقويم هو العلمية التي تستخدم في نتائج القياس .
بعض الأسس والمبادئ العملية للتقويم :
لعلنا نتفق على الأسس والمبادئ التالية لعملية التقويم :
• أنها وسيلة وليست غاية في حد ذاتها .
• لا تقويم بدون معلومات أو بيانات أو حقائق .
• هى عملية مخططة وليست عملية عشوائية .
• لا بد من تحديد قيمة للشئ في ضوء معايير .
• أنها عملية سيتم من خلالها إصدار حكم على شئ ما .
• وسيلة إلى التطوير وتحسين الاداء .
• عملية مستمرة طوال العام الدراسى .
• تتوقف النتائج على جودة ودقة الأدوات المستخدمة .
• يتناول كافة الانشطة التي يزاولها المتعلم في المدرسة .
• الشمولية لجوانب النمو المختلفة للمتعلم .
• تعدد الأساليب وتنوع الادوات المستخدمة .
• عملية فنية ينبغى أن يقوم بها معلمين مدربين لهم خبراتهم الكافية .
• لا بد أن تكون الادوات ملتزمة بخصائص الصدق والثبات والموضوعية .
أنواع التقويم :
يصنف التقويم إلى الانواع التالية طبقاً للأهداف المرجو تحقيقها :
1- التقويم المبدئى أو القبلى ((Initial or Pre-Evaluation
ويتم قبل تعلم الطلاب لمحتوى منظومة تدريسية ( أو مقرر ، وحدة ) لتحديد ما يتوافر لدى المتعلم من خصائص ، معارف ... إلخ ترتبط بموضوع التعلم بهدف الكشف عن حاجة المتعلم إلى تعلم مهارات أو متطلبات قبل البدء في دراسة موضوع ما ومن أنواعه الاختبارات التشخيصية ، القبلية ... إلخ .
2- التقويم التكوينى ( البنائى ) Formative Evaluation :
ويعنى استخدام التقويم أثناء عملية التدريس ويستهدف تحديد مدى تقدم الطلاب نحو الاهداف التعليمية المنشودة وتقديم تغذية راجعة Feedback للمعلم عن سير تعلم الطلاب بهدف إعطاء مزيد من الاهتمام إلى تعديل في أداء المتعلم ويضم ثلاثة مراحل هى : جمع بيانات ، تحليلها ، ثم المراجعة والتنقيح خلال التغذية الراجعة .
3- التقويم التجميعى Summative Evaluation :
ويعنى الحكم على إحراز نواتج التعلم بهدف اتخاذ قرارات مثل نقل المتعلم إلى مستوى أعلى أو تخرجه ويتم عادة في نهاية تدريس محتوى أو برنامج تعليمى أو في نهاية مرحلة ومن أهم أدواته المستخدمة ما يعرف بالاختبارات الختامية Final Exam
4- التقويم البعدى :Post Evaluation
ويتم بعد انتهاء البرنامج التعليمى وانقضاء فترة زمنية ، قد تطول أو تقصر على انتهائه ويهدف إلى التحقق من مدى احتفاظ المتعلم وتطبيقه لما حصل عليه من تعلم وتتبع كفائته والتعرف على مدى احتياجه إلى برامج تجديدية أو علاجية وتنموية ... إلخ .
معايير التقويم :
تصنف معايير التقويم إلى الأنواع الرئيسية التالية :
1- قياس جماعى المرجع Norm-Referenced Measurement :
ويهتم بتقويم أداء الطلاب على مقياس ما في ضوء أداء أفراد آخرين على المقياس ذاته .
2- قياس محكى المرجع : Criterion-Referenced Measurment
ويستخدم لتحديد مستوى الفرد بالنسبة لمحك ثابت بمعنى تقويم الطالب وإنجازاته وفقاً لما يحققه من مستوى على المقياس دون مقارنته بنسبة تحصيله بزملائه .
3- قياس فردى المرجع : Self-referenced Measurement
ويقوم أساساً على تقويم الفرد في مواقف متباعدة لقياس التغير الذي يحدث في بعض خصائص الفرد ومدى تقدمه من بداية التعلم إلى الوقت الحالي .
أساليب التقويم :
تتنوع أساليب التقويم وأدواته لتلائم الاستراتيجيات والنماذج التعليمية المختلفة وكذا حسب الأهداف المنشودة من عملية التقويم ، ومن بين الأساليب المستخدمة :
الاختبارات بأنواعها المختلفة ( تحريرية – شفوية – عملية ........) :
- التحريرية Paper and Pencil Tests
- الشفهية Oral Tests
- اختبارات الأداء Performance Tests
- التحصيلية Achievement Tests
- النفسية Psychological Tests مثل اختبارات الميول ، الاتجاهات ، الشخصية.
- المعملية Laboratory Tests
- العملية Practical Tests
- التقرير الذاتى Self Report
أساليب الملاحظة Observation
المقابلات Interview
الاستبيانات Questionnaires
السجلات والمشروعات Journal & Logs
ملف الأعمال أو الإنجاز (( Student Portfolio
نظام التقويم الحالي في منظومة التعليم :
مما لا شك فيه أننا جميعاً نعيش نظام التقويم الحالي للمتعلم الذي يقتصر على الامتحانات النهائية أو الاختبارات والحكم عليه بالنجاح أو الرسوب ، وهذا النظام يخضع لمنظومة خطية Linear تكون العلاقة بين المكونات علاقة التتابع أو التوالى ، فالمكون الاول وهو الاهداف التعليمية يتلوه مكون تنفيذ العملية التعليمية ثم مكون الحكم على نجاح العملية التعليمية بالنجاح أو الفشل ، فالمتعلمون الذين ينجحون قد ينتقلون إلى مرجع إلى أو يتوقفون عن الدراسة بسبب الانتهاء منها ، أما الذين يرسبون فقد يعيدون العام الدراسى نفسه مرة أخرى أو يتوقفون عن الدراسة ( بسبب استنفاذ مرات الرسوب ) ويوضح الشكل (1) هذه المنظومة الخطية التي تفتقد خاصية هامة جداً وهى خاصية التصحيح الذاتى أو التغذية الراجعة Feedback .
لذا فنظام التقويم الحالي لا يصل إلى درجة التقويم بل التقييم ونظم الامتحانات الحالية أصبحت بالية وقديمة حيث أنها تقيس قدرات الطالب في لحظة معينة أو تقيس قدرة واحدة من قدراته ، أو جانب واحد من جوانب التعلم ( المعرفى ) وتتجاهل أنواع وجوانب وقدرات أخرى لدى المتعلم .
فالامتحانات الحالية ( التقييم ) هى امتحانات الفرصة الواحدة والوحيدة والتي نحكم بها على التلميذ فهى أشبه بكاميرة التصوير العادية التي لا تعطينا إلا صورة ثابتة عن الفرد ولا تدل على كل حركاته وأطوار نموه . وهى أشبه بعملية فرز للطلاب بهدف العزل أو رصد بهدف التسجيل ولا تسعى إلى تنمية أو علاج أو تعزيز للمتعلم .
وهى تمثل محنة تخل بالتلميذ ومعاناة تصيب الفرد وأسرته بالتوتر لأن الامتحان التقليدى ينزل بالفرد نفسه ، مرة واحدة ، وفرصة واحدة .
ولقد وجه الخبراء المتخصصين عديد من الانتقادات إلى التقويم التقليدى من اهمها أنه يركز على مستويات معرفية دنيا ( تذكر وحفظ ) ويهمل المستويات المعرفية العليا بالإضافة إلى أنه لا يقيس قدرة المتعلم على تطبيق فهمه ومعارفه ومعلوماته في مواقف حياتية .
ولقد أوضح العديد من المتخصصين أن هذا النوع من التقويم يقوم أساساً على نظرية المدرسة السلوكية في التعلم والتي لا توفر أهمية لمشاركة المتعلم في الأنشطة التعليمية .
الاتجاهات الحديثة في تقويم المتعلم
كرد فعل للانتقادات التي وجهت إلى التقويم التقليدى وفى ضوء عديد من المبررات التي تستوجب إعادة النظر في هذا النظام التقليدى للتقويم و التي من أهمها :
- أهمية ترسيخ ثقافة الاتقان والجودة والتأكيد على الجودة الشاملة .
- التأكيد على الشخصية المتكاملة للمتعلم .
- نظرية الذكاءات المتعددة .
- مفهوم التعلم ( لنعرف ، لنعمل ، لنعيش مع الآخرين ، لنكون ) .
- التعلم للتميز والتميز للجميع .
وفى ضوء هذه الانتقادات والاتجاهات وفى ضوء ما توصلت له العديد من الدراسات في مجال تقويم الطالب إلى قناعة بأن أسرع السبل إلى تغيير عمليات التعلم وتطويرها هو السعى إلى تغيير وتطوير نظام التقويم ، الامر الذي سيؤدى حتماً وبالضرورة إلى تطوير عمليات التعلم وطرق التدريس وتمتد إلى تطوير أهداف العملية التعليمية .
التقويم كمنظومة سيبرناتية Cybernatic
ويرى هذا الاتجاه أن التقويم ليس بمنظومة خطية كما سبق الإشارة على ذلك بل أنه منظومة تعتمد على مسلمة التفاعل المتبادل بين المكونات وليست مسلمة الخط المستقيم ، وهذه المنظومة السيبرناتية أو التحكم الذاتى تتضمن التصحيح الذاتى ،