بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين
أما بعد:-
هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة في العام الثالث عشر من البعثة كانت بمثابة إعلان وقيام دولة الإسلام التي سعى الرسول(صلى الله عليه وسلم)وأصحابه رضوان الله عز وجل عليهم لتأسيسها وقيامها .
وكانت الهجرة إلى المدينة خطوة كبيرة ومهمة في تاريخ الدعوة الإسلامية سبقتها خطوات لاتقل عنها أهمية
بل هي تأسيسا لها ،
والهجرة مرحلة مهمة سبقتها مراحل تجاوزها النبي (صلى الله عليه وسلم)
فما كان للنبي (صلى الله عليه وسلم) أن يهاجر قبل أن يحقق هذه الخطوات وينجز هذه المراحل ،
ونحن إذ نسعى في هذه المرحلة لتأسيس الدولة الإسلامية والتي هي بطبيعتها مدنية إقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم)،
لابد وأن نتعرف على بعض الأسس والقواعد التي أسس لها الحبيب (صلى الله عليه وسلم) والتي ربى عليها أصحابه رضوان الله عليهم .
ومن هذه الأسس
أولا :-عالمية الرسالة والدعوة
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (0تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا )
فالرسالة والدعوة عالمية أعلنها الرسول (صلى الله عليه وسلم )من أول يوم صدح فيه بالدعوة ،
فلم تكن رسالته (صلى الله عليه وسلم)قطرية أو إقليمية وإنما للعالم أجمع بل تعدت إلى عالم الجن (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرءان فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين )
وهذه الرسالة العالمية تتميز بالشمولية فكان لابد من توضيح الأساس الثاني وهو
ثانيا :- شمولية الاسلام
وان الإسلام جاء لينظم كل مناحي الحياة فهو (نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء)
ولن تتحقق هذه المعاني في دنيا الناس وواقع الحياة إلا إذا آمنت بها مجموعة من البشر وحولتها إلى سلوك وواقع معاش ،
ثالثا :-فكان الاساس الثالث والمهم وهو بناء الانسان
وصياغته صياغة ربانية ، وكما يقولون (الانسان قبل البنيان )
فقبل أن يفكر الرسول (صلى الله عليه وسلم)في بناء الدولة كان تفكيره الأهم في بناء الإنسان الذي يستطيع أن يحمل الفكرة ويؤمن بها ويتحرك بها ويدعو إليها ويصبر على تبليغها ويضحى في سبيلها بكل ما يملك من نفس ونفيس لأنها عنده أغلى ما يملك ،
واستمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) في تربية ذلك الإنسان وإعداده قرابة الثلاث عشرة سنة ،
واستطاع الرسول (صلى الله عليه وسلم)أن يصوغ ويربى هذا الإنسان، ووجدت النماذج العظيمة في تاريخ الإسلام من أمثال أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، ومصعب بن عمير ، وصهيب الرومي ، والقعقاع بن عمرو ، وغيرهم وغيرهم (رضي الله عنهم أجمعين )
وهذا الجيل الرباني الذي صيغ هذه الصياغة الربانية العالية أدرك منذ البداية طبيعة الطريق وانه طريق الابتلاءات والمحن وهذا ما وضحه وبينه مؤسس الدولة الإسلامية الأولى رسولنا الحبيب (صلى الله عليه وسلم)
)
رابعا :-الأساس الرابع الوضوح
يقول تعالى (الم احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )
يقول الشهيد سيد قطب –رحمه الله (إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف ; وأمانة ذات أعباء ; وجهاد يحتاج إلى صبر , وجهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس:آمنا . وهم لا يتركون لهذه الدعوى , حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به )
هذا ما ربى عليه رسولنا (صلى الله عليه وسلم) أصحابه
يأتيه خباب بن الأرت رضي الله عنه فيشتكى له شدة التعذيب والبلاء الذي وقع عليه فيقول رضي الله عنه ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرد له في ظل الكعبة، فقلنا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا..؟؟
فجلس(صلى الله عليه وسلم)، وقد احمرّ وجهه وقال:
قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل، فيحفر له في الأرض، ثم يجاء بمنشار، فيجعل فوق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه..!!
وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى الله الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون"..!!)
الأمر الآخر والمهم والذي أرساه الرسول (صلى الله عليه وسلم )في نفوس أصحابة رضوان الله عليهم ، التجرد والتضحية
خامسا :-الأساس الخامس التجرد والتضحية
لقد ربى الرسول (صلى الله عليه وسلم )جيل الصحابة رضوان الله عليهم على التجرد لهذه العقيدة، والتضحية في سبيلها وعدم النظر لأى مغنم أو مطمع دنيوي أو حظ من حظوظ النفس، وكما يقول الشهيد سيد قطب - رحمه الله تعالى- (فخلت نفوسهم من حظوظ نفوسهم ) ولم يخدعهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولم يمنهم أمنيات زائفة، وإنما كان جل ما يقويهم به ويصبرهم به هو أن يقول لهم (صبرا فان موعدكم الجنة ) قالها (صلى الله عليه وسلم) لأسرة عمار بن ياسر (رضي الله عنهم أجمعين ) وهم تحت وطأة التعذيب وشدته ، فصبروا وتحملوا العذاب متجردين لله تعالى مضحين بكل ما يملكون مستعذبين هذا العذاب طالما انه يحقق رضا الله تعالى،
ونماذج التضحية في جيل الصحابة رضوان الله عليهم لا تحصى ولا تعد وكل واحد منهم يعد مثالا يحتذي به ويقتدي في التجرد والتضحية،
وبعد أن صاغ الرسول ( صلى الله عليه وسلم) هذا الجيل هذه الصياغة الربانية ورباهم على هذه المعاني الطيبة
واعدهم لهذه المهمة الجليلة –مهمة إقامة الدولة الإسلامية الاولى –
تحرك الرسول( صلى الله عليه وسلم ) لإتمام هذه المهمة واختيار المكان المناسب ليشهد ميلاد دولة الإسلام الأولى
فكان التخطيط للهجرة
وهذا يحتاج إلى مقال آخر آن شاء الله تعالى