Iـ مقدمة
يمكن تعريف علم الكيمياء بأنه العلم الذي يبحث في تركيب المواد وخصائصها وتفاعلاتها، أي هو علم المادة والتحولات التي يمكن أن تطرأ عليها. وموضوع الكيمياء قديم، وجد منذ أن اهتم الإنسان بما في الكون من مواد للاستفادة منها في تأمين حاجاته.
كان جابر بن حيان (813-720م) أول من فكر بتصنيف المواد إلى أجساد وأرواح وأجسام، أما الأجساد فهي سبعة: الأسرب- الرصاص- القلعي- الحديد- الذهب- الفضة- الخارصين، أما الأرواح فعددها ستة: الزئبق- الزرنيخ- الكبريت- النشادر- الكافور- الدهن، أما الأجسام فهي مزيج من الأرواح والأجساد.
كما يمكن تعريف علم الكيمياء بأنه علم العناصر ومركباتها. وليست محاولات تصنيف العناصر بغية دراستها بجديدة ، فقد لجئ إليها منذ أن عرفت بعض هذه العناصر، و كانت أولى هذه المحاولات تقسيم المعروف من العناصر إلى معدنية ولا معدنية.
يعتبر أبو بكر الرازي (44-866 م) بحق رائد فكرة تصنيف العناصر الكيميائية في مجموعات، حيث قرر أن كتابيه "الأسرار" و"سر الأسرار" وإن جمعهما متن واحد فلا يبحثان إلا في معرفة ثلاثة أمور هي: العقاقير- والآلات- والتدبير، أما معرفة العقاقير فهي تنحصر في ثلاثة أصناف: الترابية– والنباتية- والتدابير، وجعل الرازي الترابية ستة مجموعات هي: الأرواح- الأجساد- الأحجار- الزاجات- البوارق- الأملاح، ويلاحظ أن الأرواح عند الرازي أربعة أنواع: الزئبق- النشادر- الزرنيخ- الكبريت، وكان جابر قد جعلها ستة بإضافة الكافور والدهن، ويلاحظ أيضا تماثل الأجساد عند الرازي وجابر في العدد والنوع أي أن مجموعة الأجساد تتضمن الفلزات: النحاس- الفضة- الذهب- الحديد- الرصاص- الأسرب- الخارصين. ومن المعلوم أن الفلزات الثلاثة الأولى تمثل اليوم المجموعة 11 أو (IB) من العناصر الانتقالية في جدول التصنيف الدوري للعناصر. إلا أن هذا الموضوع لم يأخذ شكله العلمي إلا في وقت متأخر عندما بدأ الاعتماد على التجربة والواقعية في اكتشاف الحقائق والقوانين الكيميائية.
يعتبر جدول التصنيف الدوري للعناصر أحد الأعمدة الأساسية التي تقوم عليها الكيمياء. فلولاه لكانت دراسة العناصر الكيميائية عملية مضنية. فتعتبر دراسته وسيلة هامة لفهم الكيمياء وزيادة الاهتمام بتدريسها. إلا أنه يلاحظ بشكل واضح عندنا قلة الاهتمام بهذا العلم في البرامج الدراسية في جميع مستويات المنظومة التربوية، سواء في التعليم الأساسي أو الثانوي أو العالي أو في التكوين المهني. مما أدى إلي قلة إقبال الطلبة على هذا الاختصاص رغم توفر الشروط الموضوعية للنهوض بميدان الصناعات الكيميائية التي تساهم بقسط وافر في الاقتصاد الوطني وخاصة الصناعات البتروكيميائية والصيدلانية ومواد التنظيف والأصبغة وغيرها التي تعتمد أساسا على توفر الطاقة والمواد الأولية من غاز طبيعي ونفط والمواد المنجمية الأخرى التي تزخر بها الأراضي الباطنية في بلادنا كالفوسفات والحديد والذهب وغيرها.
ونطمح من خلال هذا العرض أن نثير الانتباه إلى أهمية جدول التصنيف الدوري للعناصر والفترة التي مهدت إلى اكتشاف القانون الدوري ووضع جدول لتصنيف العناصر خلال القرنين (XVIII) و(XIX)، باعتبار أن هذه الفترة تعتبر حسب مؤرخي تاريخ العلوم مرحلة أصبحت فيها الكيمياء علما قائما بذاته، أي فترة الانتقال من الكيمياء القديمة (Alchimie) إلى الكيمياء الحديثة التي تفرعت إلى عدة اختصاصات وتميزت بعدة اكتشافات ونشاطات أهمها:
1 ـ بروز علماء في الكيمياء : خاصة في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسويد وإيطاليا وروسيا.
2 ـ تأسيس الجمعيات الكيميائية والمدارس:
ـ فتح مدرسة التقنيات المتعددة (Ecole Polytechnique) في فرنسا في أول سبتمبر 1795.
ـ تأسيس الجمعية اللندنية للكيمياء في سنة 1881.
ـ تأسيس الجمعية الباريسية للكيمياء في سنة 1857.
ـ تأسيس الجمعية البرلينية للكيمياء في سنة 1867.
ـ تأسيس الجمعية الروسية للكيمياء في سنة 1868.
3 ـ عقد ملتقيات كيميائية وطبع منشورات دورية في الكيمياء:
ـ (journal of the Chemical Society of London) ابتداء من سنة 1849
ـ (Bulletin de la Société Chimique de Paris) ابتداء من سنة 1863
ـ (Berichte der Deutschen Chemischen Geselleschaft) ابتداء من سنة 1868.
4 ـ تأليف كتب في الكيمياء.
5 ـ اكتشاف عدد كبير من العناصر نتيجة تطور طرق التحليل.
6 ـ التوصل إلى وضع تطبيقات صناعية عديدة خاصة في ألمانيا.