الزملاء المعلمين والمعلمات الذين شرفهم الله بهذه المهنة العظيمة التي لم تتيسر لغيرهم إلا القليل ،
إلى كل من سلك هذا المسلك العظيم ،
إلى الزملاء الأفاضل ، إن المهنةَ التي تؤدونها مهنةٌ عظيمة ، وباب واسع من
أبواب نيل الحسنات ، والرفعة في الدرجات ، فهنيئاً لكم ما تؤدونه من
واجبات ، وهنيئاً لكم ما يسر الله عز وجل لكم من المهمات الجزيلات ،
وهنيئاً لكم هذا الشرف العظيم ، ألا وهو تعليم الناس الخير ،
فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ
عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضْلُ الْعَالِمِ
عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ
لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ )) رواه الترمذي ،
يقول المباركفوري - بتصرف - في شرحه لهذا الحديث : ( ثم قال رسول الله r إن
الله ) استئناف فيه تعليل ( وملائكته ) قال القاري أي حملة العرش وقوله (
وأهل السموات ) تعميم بعد تخصيص ( والأرضين ) أي أهل الأرضين من الإنس
والجن وجميع الحيوانات ( حتى النملة في جحرها ) أي ثقبها . ( وحتى الحوت )
وهما غايتان مستوعبتان لدواب البر والبحر ( ليصلون ) أي يدعون بالخير ( على
معلم الناس الخير ) قيل أراد بالخير هنا علم الدين وما به نجاة الرجل ،
وفيه إشارة إلى وجه الأفضلية بأن نفع العلم متعد ونفع العبادة قاصر . ولا
شك أن العلم إذا أطلق فيراد به علم الشريعة ، وإذا لم يطلق فقد يدخل فيه كل
علم نافع .
الزملاء والزميلات ، لا يقوم عمل إلا بإخلاص ، فكل ما ذكرنا من فضل وتعظيم
وكل ما يرد من خير ونعيم وتزكية وغيرها من أمور الخير لا يتحقق إلا
بالإخلاص . عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّمَا الأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ
هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا
فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ )) متفق عليه ،
إننا نجد مَنْ شرفهم الله بهذه المهنة يضيعون كل ما يتاح لهم من أجر وخير
بسبب تركهم للإخلاص ، فترى الواحد منهم لا يؤدي عمله إلا لأجل المال ، ولا
يهتم بوقت درسه ولا بفائدة طلابه ، فلا يبالي بسلوك منحرف عند الطلاب ،
وأخلاق رذيلة ، وعلاقات محرمة ، وفواحش مقيتة ، وتبادل ما حرم الله ، من
دخان وأشرطة وصور وألعاب السوني التي ابتلي بها أبناء المسلمين ، ومواقع
إباحية على شبكة العنكبوت ( الإنترنت ) ، وغيرِها كثير من انحرافات الطلاب
التي لا يأبه بها المعلم أبداً ، وغاية ما يفعله كتابة تعهد ، والمهم عنده
أن ينتهي وقت الدوام ليفك نفسه من هم ذلك اليوم وغمه ، ولم يخطر على باله
أبداً أنه يؤدي رسالة في مجتمعه ، لِيَخْرُجَ من تحت يده واحدٌ يعلم الناس ،
وآخر يقاتل العدو في سبيل الله ، وثالث يعالج مرضى المسلمين ، ورابع وخامس
وسادس ، كل أولئك على شريعة الله ، وعلى منهج الله ، لينال هذا المعلم كل
ما يجمع أولئك من الحسنات إن هو أخلص في دينه وعمله ،
ولا يُفهم من كلامنا هذا أن المعلم والمعلمة لا يبحثان عن المال ، كلا ،
فالمال ضروري للحياة ، بل نطالب كل أحد بالكسب الطيب ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ
فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً
فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ )) متفق عليه ، وعَنْ عَامِرِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ
وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ
وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلا يَرِثُنِي إِلا ابْنَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ
مَالِي قَالَ لا فَقُلْتُ بِالشَّطْرِ فَقَالَ لا ثُمَّ قَالَ الثُّلُثُ
وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ
أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ
وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلا
أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ )) متفق عليه ،
إذاً أيها الأخوة كسب المال لا يعارض الإخلاص ولنتذكر أن الله مطلع على قلوبنا فالحذر الحذر .
كما نوصي المعلمين والمعلمات في هذه الرسالة بالرفق واللين في كل شيء حتى
في العقوبة عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ورضي الله
عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ الرِّفْقَ لا
يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ
)) رواه مسلم ،
وكم ارتفع قدر المعلم عند طلابه بالرفق والمعاملة الحسنة ، وكم صلح حال
طلاب بالرفق والمعاملة الحسنة ، ثم أيها المعلمون إذا أردتم المعاقبة فلا
تعاقبوا بالضرب ، إلا في النادر وبالأسلوب النبوي الذي كان إذا ضرب فيضرب
ضرب تأديب لا ضرب حقد وكراهية ، فكان يضرب بسواكه صلى الله عليه وسلم ،
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلا امْرَأَةً وَلا خَادِمًا إِلا أَنْ
يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ
فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ
اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ )) رواه مسلم ،
وقد أمرنا في حال الحرب ونحن نقاتل الكفرة المجرمين الذين يخالفون ديننا
وشريعتنا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم قَالَ إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ ))
فماذا يقول من يعاقب المسلمين ؟ .
أيها الزملاء إن الدين المعاملة ، والمعاملة الطيبة تُقَوِّم كثيرا من
الانحرافات وتدخل الناس في دين الله عز وجل . وإن من أجل مهمات المعلم
تعليم الناس الخير ونصحهم وإرشادهم ، وليعلم المعلمون والمعلمات أن احترام
الطلاب لهم باحترامهم هم لأنفسهم أولاً واحترامهم لغيرهم وسمتهم الحسن ،
وكلما كان سمتهم لا يليق كان تقدير طلابهم لهم أضعف وإن الله جميل يحب
الجمال .
راق لي فنقلته لكم