خلال الاعوام 1900 -1910 تغيرت اوضاعي لانني ما عدت اعمل كعامل ، بل بدات العمل كخطاط وراسم بالالوان المائية. ومع ان المال ما كان كافياً ، الا انه كفى لتحقيق طموحي آنذاك. اذ استطعت الرجوع للمنزل وانا قادر على القراءة بدون ان يدفعني التعب من عمل اليوم للنوم فوراً. بات بعض وقتي ملكاً لي.
تصور الكثيرون انني غير طبيعي : ولكنني تابعت ما اعشق، الموسيقى والعمران. كنت اجد في الرسم والقراءة كل اللذات وسهرت كثيراً حتى الصباح مع لوحة او كتاب. وهكذا كبرت طموحاتي، وحلمت بان المستقبل سيحقق امالي، وان بعد حين. كذلك تابعت قضايا السياسة وقرات المزيد عنها لانني ارى ان التفكير في شؤونها وظيفة تقع على عاتق كل مواطن يفكر. وبدون معرفة شيء عن طبيعتها لا يحق للفرد النقد او الشكوى.
ما اعنيه بالقراءة يختلف عا يقوله دعاة الثقافة في عصرنا. فقد عرفت رجالاً قراوا كثيراً ، ولكنه ما كانوا مثتقفين. نعم، هم عرفوا الكثير من المعلومات، ولكنهم ا استطاعوا تسجيلها وتنظيمها. وهكذا افتقدوا فن تمحيص القيم من الغث، والتحرر مما كان بلا فائدة، والاحتفاط بالمفيد معهم طول العمر. فالقراءة ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الغايات. وظيفتها الاساسية هي ملأ الفراغ المحيط بالمواهب والقدرات الطبيعية للافراد. المفروض هو ان نقدم للفرد المعدات التي يحتاجها لعمله الحياتي بغض النظر عن طبيعة هذا العمل. كذلك، يجدر بالقراءة ان تقدم رؤية معينة للوجود. وفي كلا الحالين، الضروري هو الا تتحول محتويات الكتاب الى الذاكرة بجوار كتب لاحقة، بل ان توضع العلومة المفيدة بجوار غيرها لتوضيح الرؤية الاساسية في فكر القاريء. وان لم يحدث هذا، ستتجمع المعلومات بشكل فوضوي في الذهن، بلا قيمة سوى خلق الكبرياء. فالقاريء من هذا النوع سيتصور انه قد عرف المزيد ، وان كان في الواقع يبتعد اكثر فاكثر عن الواقع حتى ينتهي المطاف به في مستشفى المجانين.. او مجلس الشعب، وهو ما يحدث كثيرا. وهو لن يستطيع اذاً الاستفادة مما قراه.