صدر في السنوات الأخيرة باللغة العربية عدد من الكتب عن تاريخ وحضارة المسلمين في بلاد ما وراء النهر والقوقاز، والكتاب الذي بين أيدينا (مختصر تاريخ أذربيجان للدكتور محمود إسماعيل) يغطى جانبًا مهمًّا من تاريخ وحضارة أذربيجان كانت المكتبة العربية في حاجة إليه.
تشغل أذربيجان كتلة من اليابسة كبيرة الاتساع، تبلغ مساحتها 86.6 ألف كيلو متر مربع، وهي تقع في الجزء الشرقي لمنطقة ما وراء جبال القوقاز، وتَحُدُّ أذربيجان من الشمال جمهورية داغستان، ومن الشمال الغربي جمهورية جورجستان، ومن الجنوب الغربي جمهورية أرمينيا، ومن الجنوب جمهورية إيران الإسلامية، وحدودها معها 611 كيلو متر، وكذلك الجمهورية التركية بحدود 11 كيلو متر.
كما يحدها من الشرق سواحل بحر الخرز بطول يقدر بـ 825 كيلو متر. وعاصمتها باكو ويبلغ تعداد سكانها 6.303.000 نسمة.
وتاريخ أذربيجان في العصر القديم والوسيط تاريخ عسير الفهم؛ لأنه يتطلب من القائم عليه معلومات واسعة ومعرفة عميقة وإلمامًا كاملاً بمختلف مجالات العلم، ورحل المؤلف داخل الفصول الأولى من الكتاب في رحلة تَتَبَّع فيها ما تركه الإنسان الأول على الصخور في منطقة أبشيرون من نقوش ترجع إلى العصر الحجري الحديث إلى دخول المسيحية لأذربيجان واتجاه شعوبها نحو الوحدة اللغوية والقومية.
وعندما فتح المسلمون فارسًا فتحوا أيضًا أذربيجان، وكان ذلك في القرن الأول الهجري، وانتهى الأمر بدخول الأذربيجانيين في الإسلام، وقد أدى انتشار الإسلام في المنطقة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في صفوف الشعب الأذربيجاني.
وفي العصر العباسي حدثت بعض الانتفاضات في المنطقة كان أبرزها حركة الخرجيين التي قضى عليها المعتصم بالله سنة 223 هـ/ 838م، ولما ضعفت الخلافة العباسية أخذت تقوم دعوات الانفصال في البلدان التابعة لها، وقد انتهز الإقطاعيون في أذربيجان هذا الوضع لبسط سيطرتهم، وعندما سقطت الخلافة كانت قد نشأت ممالك شاكى وموغانية جنبًا إلى جنب مع مملكة شيروان.
وفي أواسط القرن الحادي عشر الميلادي استولى الأتراك السلاجقة على آسيا الصغرى وعلى خراسان وأصفهان في بلاد فارس، وتغلغلوا حتى وصلوا أذربيجان، فضموا إليهم دولة الشداديين والرواديين، أما ملوك شيروان فقد استطاعوا الاحتفاظ بسلطتهم لقاء خراج كبير. وعندما ضعفت دولة السلاجقة قامت في أذربيجان الجنوبية وإيران وناخجيوان دولة كبيرة قوية هي دولة الأتابكيين، وعاصمتها تبريز.
لم يستطع الأذربيجانيون تنظيم أنفسهم للدفاع عن بلادهم ضد المغول، بسبب افتقادهم دولة مركزية، ومع ذلك فقد قاوموا مقاومة شديدة في كل مكان، وقد سبب الغزو المغولي للبلاد أضرارًا اقتصادية جسيمة، وعندما بدأت الدولة المغولية تضعف في أذربيجان أواخر القرن الرابع عشر انتهز حكام الولايات الداخلية ذلك وعملوا على الاستقلال، وفي زمن خلفاء تيمورلنك حصل إبراهيم الأول على حرية التصرف وأخذ يُوَحِّد أذربيجان تحت حكمه، واستولى بادئ الأمر على تبريز سنة 1406م.
وأسس في الولايات الجنوبية لأذربيجان دولتان هما: قاراقونلو أي دولة الشاة السوداء وآغ قويونلو أي الشاة البيضاء من قبل قبائل تركية، والتي ضعفت أيضًا إلى أن انتقلت السلطة إلى الصفويين.
ثم تعرَّض المؤلف بعد ذلك لأثر العلاقات الروسية العثمانية على أذربيجان، وسيطرة نادرشاه عليها بعد ذلك، والذي سَخَّر الشعب للقيام بأعمال مختلفة منها: شق الطرق وإقامة الجسور واستخراج النفط وغير ذلك، كما كانت تنقل البنات إلى القصر للخدمة فيه، مما أشعر الشعب الآذري بالإهانة؛ ولذا قامت انتفاضات مسلَّحة ضد الحكومة، كان نادرشاه يقمعها، واستشرت الثورة في مناطق أذربيجان كافة بين عامي 1743م و 1747م. وفي هذا العام قُتِل نادرشاه في قصره، ثم أدى الصراع بين الإقطاعيين على الحكم إلى انهيار الدولة المركزية نهائيًا. وقامت على الأراضي الأذربيجانية دول إقطاعية مستقلة بلغت أربع عشرة مملكة وخمس سلطنات، وفي أواخر القرن الثامن عشر استولى آغا محمد شاه قاجار على الحكم في إيران، فضم جميع خانيات آذربيجان الجنوبية لنفسه، ونقل مركز الدولة إلى طهران، وبعدما انتهى من المناطق الجنوبية أخذ يحتل الخانيات الشمالية، وخانيات القوقاز الجنوبية كافة، وجمع جيوشه في بداية صيف عام 1795م وزحف إلى ما وراء القوقاز وهو يُدَمِّر تدميراً شاملاً جميع القرى والمناطق السكنية والواقعة على طريقه.
أدت أحداث القوقاز إلى دفع روسيا القيصرية لاحتلال القوقاز فاستولت على دربند وخضعت لها خانيات عديدة في أذربيجان، ولتوجه روسيا المؤقت تجاه فرنسا وذلك عام 1796م، خلا الجو لآغا محمد شاه مرة أخرى فتغلغل في أذربيجان بجيش كبير إلا أنه قُتِل في مدينة شوشا، وتشَتَّتَت الجيوش الإيرانية لغياب القيادة.
وابتداءً من عام 1803م أخذت روسيا القيصرية تسيطر تدريجيًّا على أذربيجان، واصطدمت مع إيران، وانتهى هذا الصدام بمعاهدة سلام وقَّعَها الطرفان في قرية توركمان جاي جنوب مدينة تبريز في 10 فبراير 1828م، قضت أن تخرج الجيوش الروسية بموجبها من آذربيجان الجنوبية، على أن تبقى في إيراوان وناخجيوان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الباحثين والسياسيين لايزالون يعتقدون إلى اليوم أن للاحتلال الروسي جوانب إيجابية، ولم ينظر هؤلاء إلى أن الشعب الأذربيجاني فقد استقلاله، وانقسم إلى قسمين يختلف بعضهما عن بعض في تطوره الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، وأن أذربيجان غدت مصدر مواد خام لروسيا وسوقًا لبضائعها، وغدا اقتصاد البلاد اقتصاد مستعمرة تابعة. وقد حدثت في أذربيجان انتفاضات عديدة منذ القرن التاسع عشر الميلادي، واشتدت المظاهرات في القرن العشرين في العام 1988م في الساحة التي أطلق عليها اسم "ساحة الحرية"، انتقل الشعب بعد تفريق هذه المظاهرات من حركة النضال العفوية إلى تنظيم نفسه، ولما طالب أهالي باكو باستقالة رئيس الجمهورية أياز مطلبوف قامت وحدات من الجيش الروسي بتطويق المدينة، أما الوطنيون الذين أقاموا الحواجز لإيقاف الوحدات العسكرية فقد باتوا ليلة 20 يناير من العام 1990م هدفًا لنيران الأسلحة الثقيلة، وسقط الحائط الدموي الذي أقاموه، مما أفقد الأذربيجانيين ثقتهم بموسكو، واشتد النضال من أجل الحصول على الاستقلال الوطني، وهكذا بناء على طلب القوى السياسية صدر يوم 30 أغسطس العام 1991م بيان سياسي حول إعادة الاستقلال الرسمي لجمهورية أذربيجان، وأُعْلِن الدستور يوم 8 أكتوبر. وبدأت بذلك مرحلة تعزيز الاستقلال الوطني وهي مرحلة جديدة ومهمة في حياة الشعب الأذربيجاني.
*استقلت عن روسيا بعد مظاهرات عنيفة