بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل﴿رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)
والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى خير من سار على الثرى وعلى آله وأصحابه ومن بأثره اقتفى.وبعد: نعيش وإياكم أيها الأحباب في هذه اللحظات مع علما من أعلام التاريخ وسهما من سهام الإسلام وفارسا من فرسان الأرض نسيته الأقلام في عالم ارتج بالكم الهائل من المجلات الهدامة والكتب المنحرفة التي لا تعرف إلى هؤلاء الأبطال طريقا.ولكن اسم هذا البطل الفذ تضمه السير بين جنباتها قد أبلى في سبيل الله بلاءا حسنا امتطى المخاطر وقدم نفسه على كف من الإيمان والإخلاص ضرب لنا مثلا رائعا للتضحية والصدق مع الله عز وجل في السر والعلن.وليثبت لنا القاعدة النبوية التي تقول (إن تصدق الله يصدقك)فهذا الرجل الهمام وثق بما عند الله ولم تزعزعه الأهواء ولا الشهوات والمغريات.إنه الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة السهمي رضي الله عنه المتخرج من مدرسة النبوة المحمدية لينقل لنا الصورة الحية لبقية صحابة النبي عليه الصلاة والسلام.
لهفي على سرج الدنيا التي طفئت ٭ ولا يزال لها في الناس أنوار
لهفي عليهم رجالا طالما صبروا ٭ وهكذا طالب العلياء صبار
هذا الصحابي الجليل له موقفان عظيمان. الموقف الأول مع ******رى ملك الفرس.والموقف الثاني مع ملك الروم.أما الموقف الأول فإنه لما عزم النبي عليه الصلاة والسلام أن يبعث بعض اصحابه بكتب إلى ملوك الأعاجم يدعوهم إلى الإسلام ولقد كان عليه الصلاة والسلام يقدر خطورة هذه المهمة فهؤلاء الرسل سيذهبون إلى بلاد نائية لاعهد لهم بها من قبل يجهلون لغاتهم ولا يعرفون شيئا عن أخلاق ملوكهم ثم إنهم سيدعون هؤلاء إلى ترك ماهم عليه من عبادة غير الله مما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم.والدخول في دين الإسلام الذي هو ضد ما هم عليه من الإلحاد والكفر.إنها رحلة خطيرة الذاهب إليها مفقود والعائد منها مولود.لذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال أما بعد:لإإني أريد أن أبعث بعضكم على ملوك الأعاجم فلا تختلفوا علي كما اختلف بنو إسرائيل على عيسى بن مريم.فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن يارسول الله نؤدي عنك ماتريد.فابعثنا حيث شئت.انتدب عليه الصلاة والسلام ستة من أصحابه ليحملوا كتبه إلى ملوك العرب والأعاجم.وكان أحد هؤلاء الستة عبدالله بن حذافة السهمي اختاره لحمل رسالته إلى ******رى ملك الفرس.فجهز عبدالله بن حذافة راحلته وودع أهله وولده وياله من وداع.ومضى إلى غايته ترفعه النجاد وتحطه الوهاد حتى بلغ ديار الفرس فاستأذن بالدخول على ملكها وأخطر أعوان الملك بأن الرسالة التي يحملها ذات اهتمام عند ذلك أمر ******رى بإيوانه فزين ودعا عظماء فارس لحضور الجلسة. فحضروا ثم اذن ل عبدالله بن حذافة بالدخول فدخل على سيد فارس مشتملا شملته مرتديا عبائته على بساطة الأعراب لكنة عالي الهمة مشدود القامة عليه عزة الإسلام لسان حاله يقول نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.فلما رآه ******رى مقبلا أشار إلى أحد رجاله بأن يأخذ منه الكتاب فقال لا إنما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدفعه لك يدا بيد لا أخالف أمر رسول الله.فقال ******رى لرجاله اتركوه يدنو مني فدنا منه فناوله كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم دعا ******رى كاتبا عربيا من أهل الحيرة وأمه أن يفض الكتاب بين يديه.فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم.من محمد رسول الله إلى ******رى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى...)ولما سمع ******رى هذا المقدار من الرسالة اشتعل غضبه واحمر وجهه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه في الرسالة.فجذب الرسالة من يد كاتبه وجعل يمزقها دون أن يعلم ما فيها
ويقول أيكتب لي بهذا وهو عبدي ثم امر بـ عبدالله بن حذافة أن يخرج من مجلسه وهو لا يدري ما يكون بعد ذلك.لكنه ما لبث أن قال والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أن أديت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.وركب راحلته وانطلق.فلما سكت غضب ******رى أمر أن يردوه إليه فالتمسوه فلم يجدوه وطلبوه في الطريق فلم يعثروا عليه.فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر وتمزيق ******رى للكتاب فما زاد عليه الصلاة والسلام على أن قال(مزق الله ملكه)أما ******رى فكتب إلى باذان نائبه على اليمن أن يبعث إلى هذا الرجل الذي ظهر في الحجاز رجلين جلدين من عندك ومرهما أن يأتي نبه فبعث باذان رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملهما رسالة منه يأمره فيها أن ينصرف معهما للقاء ******رى دون إبطاء.(سبحان الله لم يعلم باذان و******رى انهما سيصطدمان مع صخرة إيمانية ترعاها العناية الإلهية)فخرج الرجلان حتى بلغا الطائف فوجدا تجارا من قريش فسألاهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا هو في يثرب ثم مضى التجار إلى مكة فرحين وجعلوا يهنئون قريشا ويقولون قروا عينا فإن ******رى تصدى لمحمد وكفاكم شره.أما الرجلان فاتجها إلى المدينة النبويةولقيا النبي عليه الصلاة والسلام ودفعا إليه الرسالة وقالا له إن ******رى كتب إلى ملكنا باذان أن يبعث إليك من يأتيه بك وقد أتينا لتنطلق معنا فإن أجبتنا كلمنا ******رى بما ينفعك ويكف أذاه عنك وإن أبيت فهو من قد علمت سطوته وبطشه.سبحان الله وصدق الله حين قال(ويخوفونك بالذين من دونه) فتبسم ابتسامة الواثق بربه وقال لهما ارجعا إلى رحالكما اليوم وأتيا غدا.بأبي أنت وأمي يارسول الله لم يغضب من شدة القول والتهديد ولم يثور كما ثار ******ر وغضب بل قابل الموقف بروح إيمانيه ويقين صادق (ومن هنا نتعلم درسا عمليا لمثل هذه المواقف بأن لا نستعجل ونغضب ونتهور بل الصبر والحلم والأناة وفي ذلك سداد وتوفيق من الله.)وفي اليوم التالي أخبرهما عليه الصلاة والسلام بأن الله قتل ******رى حيث سلط عليه ابنه شيرويه في ليلة كذا من شهر كذا.فحدقا في وجهه وبدت الدهشة عليهما قالا الرجلان أتدري ما تقول أنكتب لباذان بذلك قال نعم وقولا له إن ديني سيبلغ ما وصل غليه ملك ******رى وإنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على قومك .إي وربي لقد بلغ دين الإسلام ما بلغ الليل والنهار ولم يعد لأحد على الله حجة بعد الرسل.فخرج الرجلان من عند رسول اله صلى الله عليه وسلم وقدما على باذان وأخبراه الخبر فقال لئن كان ما قاله محمد حقا فهو نبي وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأيا.فلم يلبث باذان قليلا حتى قدم عليه كتاب شيرويه وفيه يقول أما بعد فقد قتلت ******رى ولم أقتله إلا انتقاما لقومنا فقد استحل قتل أشرافهم وسبي نسائهم وانتهب أموالهم فإذا جاءك كتابي فخذ لي الطاعة ممن عندك .فلما قرأ باذان الكتاب طرحه جانبا وأعلن دخوله في الإسلام ودخل معه في هذا الدين من كان معه من الفرس باليمن.(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى .....)اللهم هب لنا ما وهبته لعبادك الأخيار وانظمنا في سلك المقربين الأبرار وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وسيأتي الموقف الثاني بإذن الله لهذا الصحابي الجليل مع ملك الروم