قلت لك أن المنزل قديم ، فلم نكن نشغل سوى طابقه الأرضي ، حيث انتشرت الغرف الثلاث حول الممر دون أن يفضي بعضها إلى بعض ……… هل تتابعني ؟
هولمز : تماما ، أكملي !
فقالت : وهذه الغرف تطل على الحديقة ، وذلك المساء نفسه ذهب الدكتور إلى غرفته ، ولكنه لم ينم لأننا كنا نشم رائحة سيكاره القوية ، ولبثت أختي معي ، وتجادلنا طويلا حول زواجها، ثم تركتني حوالي الحادية عشر ، وقبل أن تغلق الباب
سألتني : هل سمعت في الليل صفيرا يا هيلين ؟
الأنسة هيلين :أي صفير
جولي : صفيرا خافتا .في المنزل أو حوله حوالي الثالثة صباحا لعله صوت شخيرك
هيلين : لا ……فأنا لا أشخر
جولي : كيف لم تسمعيه إذا !
هيلين : لعله أحد هؤلاء الغجر المخيمين تحت الأشجار
جولي : فكيف لم تسمعيه أنت أيضا ؟
هيلين : لأن نومك أخف من نومي
وانصرفت بعدئذ و سمعت صوت المفتاح يدور في باب غرفتها
فقاطعها هولمز قائلا : هل من عادتك إقفال باب غرفتك ؟
هيلين : نعم …… كل مساء
شارلوك : و ما السبب ؟
هيلين : لقد حدثتك عن الغوريلا و النمر فنحن نخاف منهما
شارلوك : نعم…هذا صحيح تفضلي
هيلين : كانت ليلة عاصفة لم أذق فيها طعم النوم لقصف الرعد ولمعان البرق ، وفجأة سمعت صوتا شق سكون الليل إنه صوت أختي ففتحت الباب فخيل إلي إني أسمع فحيحا أو صفيرا خافتا ، وبعد لحظة سمعت صوت شيء معدني كأنه سلسلة تسقط على الأرض أو أداة ما شبيهة بها كنت جامدة في الممر من الهلع و إذا بباب أختي يفتح و رأيتها تخرج شاحبة تترنح يمينا و شمالا فسارعت إليها أسندها فانهارت على الأرض بين يدي وكانت ترتجف وجسدها ملوي إلى الخلف كأنها تتألم ألما شديدا ، ثم همست إلي قائلة هيلين إنه الشريط المرقط ، ولعلها تريد أن تقول شيئا آخر وهي تشير إلى غرفة زوج أمي و فار الزبد من فمها وانقلبت عيناها فهرعت إلى تلك الغرفة وطرقته بعنف فخرج ملهوفا و جرى إلى أختي و حاول أن يسقيها بعض الماء و لكنها فقدت الوعي ثم توفيت بعد لحظات دون أن تستعيد وعيها
سألها هولمز : هل أنت واثقة من أنك ذلك الصفير الخافت وذلك الصوت المعدني وهل تعرفين ما مصدره ؟
هيلين : هذا ما طلبه مني مفتش الشرطة ولعلني قد توهمته وسط هبوب العاصفة ولكني واثقة من سماعه
شارلوك :ماذا كانت ترتدي أختك ؟
هيلين : كانت ترتدي فستان نومها وبيدها علبة كبريت وكان ما يزال العود مشتعلا بيدها الأخرى
شارلوك : هذا مهم لأن معناه أنها حين استيقظت على الضجة أشعلت عود الكبريت لتعرف ما هو . ما رأي مفتش الشرطة ؟
هيلين : قد قام بتحقيق جاد بسبب السمعة السيئة لزوج أمي ولكنه لم يستطع تحديد سبب الموت و قد شهدت بأن النوافذ مغلقة من الداخل و أي سمعتها تغلق غرفتها بالمفتاح ولم نجد شقا في الحائط أو الأرضية فثبت بالدليل أن أختي ، لقيت مصرعها وهي بالغرفة وحدها ، ولم نجد آثار عنف على جسده .
هولمز : و هل توجهت أبحاث المفتش إلى السم ؟؟
هيلين : بالضبط…… و لكن التحاليل لم تؤدي إلى شيء .
هولمز : هذا غريب … و ما سبب موت أختك في رأيك ؟؟
هيلين : أظنها ماتت من الرعب و لكن ما الشيء الذي أرعبها إلى هذه الدرجة ؟؟ لست أدري .
هولمز : ماذا كانت تعني بقولها الشريط المرقط ؟؟؟
هيلين : فكرت طويلا في معناها و قلت لنفسي لعلها تقصد المنديل المرقط الذي يضعه الغجر على رؤوسهم .
فهز هولمز رأسه و لم يظهر عليه الإقتناع : تابعي ماذا حدث بعدئذ ؟؟؟
هيلين : انقضت سنتان ، فتقدم لخطبتي صديق أعرفه منذ زمن بعيد ، و لم يعترض زوج أمي على زواجنا في الربيع القادم .
و قبل البارحة اضطررت إلى ترك غرفتي لأن العمال هدموا الجناح الشرقي لإصلاحه و نمت في غرفة أختي المتوفاة و البارحة أحسست بالرعب الشديد لسماع الصفير الخافت نفسه الذي وصفته لك ، فنهضت من سريري و أشعلت المصباح فلم أجد شيئا ، فارتديت ملابسي و ركبت عربة إلى محطة القطار و جئت إليك .
فأمسك هولمز بمعصمها قائلا : و لكنك تتسترين على زوج أمك ….
هيلين : و كيف ذلك ؟؟
فكشف معصمها فإذا عليها أصابع زرقاء و قال : إنه يسيء معاملتك ….
هيلين : نعم ….. إنه رجل قاسي القلب .
و لم يجبها و جعل يحدق في النار مفكرا ، ثم قال : هذه قضية معقدة حقا : و لابد من التحقق من بعض التفاصيل فيها ، و لكن الوقت قصير ، لابد من زيارة ستون موران اليوم ، ورؤية الغرف دون أن يدري زوج أمك فهل هذا ممكن ؟؟؟؟؟
هيلين : نعم ، لأنه ذاهب اليوم إلى لندن و سوف يتغيب النهار كله و لدينا خادمة منذ أسابيع و لكنها عجوز بلهاء أستطيع إبعادها بسهولة …....
هولمز : و متى سترجعين إلى المنزل ؟؟
هيلين سأستقل قطار الثانية عشر ….
هولمز : حسنا ، سنستقل نحن القطار التالي عليه .
هيلين : أشكرك يا سيد هولمز …. و لكن هل ستساعدني حقا ؟؟
هولمز : لا ريب في ذلك …….اطمئني ، إلى اللقاء .
فأحكمت هيلين ستونر الشبكة الحريرية على وجهها و مضت فقلت له : ما رأيك يا هولمز ؟
هولمز : إنها قضية غامضة و محزنة .
واطسون : و لكن الفتاة تؤكد أن أختها كانت وحدها .
هولمز : و الصفير أو الفحيح يا واطسون ؟؟ و عبارة الشريط المرقط ؟؟ يجب أن نربط بين الصفير الليلي بوجود جماعة الغجر في الحديقة مع مصلحة زوج أمها في ألا تتزوج لئلا يفقد ثروته ، أضف إلى ذلك الصوت المعدني الذي قد يكون صوت قضيب من الحديد انتزع ثم أعيد إلى مكانه ، و أظن أن حل القضية يدور حول هذه العناصر .
واطسون : و لكن ما عسى الغجر يفعلون ؟؟
هولمز : ليس لدي أي فكرة بعد ، و لكننا سنذهب بعد الظهر لنرى تطابق الفرضية مع الواقع… ما هذا ؟
و فجأة انفتح الباب و دخل رجل ضخم فوقف و الشرر يتطاير من عينيه . كان أصفر الوجه ملأته التجاعيد ، و عيناه غائرتان تتحركان في كل اتجاه ، و أنف معقوف كأنه منقار طائر جارح ، و يحيط بذلك كله تعبير من الدهاء و الشر لا يمكن وصفه ، و كان يرتدي ملابس خليطا من ثياب الفلاحين و أهل المدينة ، و يمسك بيده سوطا متينا .
فقال العملاق بصوت قوي : أي منكما المدعوهولمز ؟؟
فقال هولمز بهدوء : أنا هو يا سيدي فهل أتشرف بمعرفة اسمك و سبب زيارتك ؟؟
فقال العملاق : إني الدكتور ** كريمسباي روالوت ** من ستون موران .
هولمز : حقا…. تشرفنا ..
روالوت : لقد خرجت إبنة زوجتي من هنا ، فماذا تريد ؟؟
فقال هولمز بلهجة رزينة : ألا تظن أن النهار مشرق بالنسبة لهذا الفصل ؟؟
فزمجر الرجل : ماذا تريد ؟؟
فتابع هولمز سخريته : هل تظن أن موسم التفاح سيكون جيدا هذا العام ؟؟
فصاح الرجل بصوت متقطع : لا تريد أن تجيبني … أعرفك أنت شرلوك هولمز …المحقق الجنائي الجاسوس …عميل الشرطة .
فابتسم هولمز راضيا عن نفسه و قال : لقد كانت محادثة ممتعة و مثيرة يا دكتور ، و لكني أرجوك أن تغلق الباب قبل أن تذهب ، لأني أكره التيارات الهوائية !!
قال الرجل : سأذهب حين أريد … لكني أحذرك بأني أكره التدخل في شؤوني ، إني خطر إذا هوجمت .
و تقدم خطوة إلى الأمام و أمسك بمحرك المدفأة الحديدي و لواه بسهولة ، و صاح : ابتعد